القاهرة – طلعت المغربي
يعتبر مقهى ريش من أبرز المنتديات الثقافية والفكرية في مصر، حيث شهد ندوات كبار المفكرين والكتاب والأدباء، مثل نجيب محفوظ والعقاد وأمل دنقل.
وبخلاف الدور الثقافي، هناك دور آخر وطني لمقهى ريش بدأ مع ثورة 1919 مع طباعة المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي.
وتكرر هذا المشهد في أحداث ثورة يناير 2011، ليتحول المقهى وقتها إلى خلية نحل للثوار الذين اتخذوه قاعدة للتحرك، وملاذا آمنا للاختباء عن أعين الشرطة.
وبعد الإطاحة بالرئيس السابق مبارك ونجاح الثورة، استرد مقهى ريش عرشه الثقافي والوطني باعتباره الذاكرة الوطنية المصرية.
دور سياسي
الدكتورة أماني فؤاد، الناقدة الأدبية، تعتبر مقهى ريش أحد قلاع الثقافة والوطنية في مصر، وكان له دور سياسي سواء قبل ثورة يناير أو بعدها.
وتوضح في تصريح لـ"العربية.نت" أن مقهى ريش منذ نشأته وهو يضم صفوة الكتاب والمثقفين في مصر كلها، إلى جانب بعض الصحفيين والكتاب والمستشرقين الأجانب أيضا، وبالتالي أصبح المقهى مكانا لتبادل الأفكار والخواطر والهموم والأحلام ومناقشة المشكلات السياسية والاقتصادية بحثا عن مستقبل أفضل، حتى يمكن اعتبار المقهى مثل البرق الخاطف الذي ترنو إليه الأبصار بحثا عن الوهج.
وفي المقهى كانت تعقد جلسات نجيب محفوظ الأدبية إلى جانب ندوات العقاد في زمان آخر، وتوفيق الحكيم في زمان ثالث، وبالتالي تحول المقهى، والكلام لفؤاد، إلى تأريخ للحركة الثقافية والفكرية في مصر والوطن العربي كله، لأن أفكار هؤلاء الكتاب خرجت من هذا المكان إلى الدنيا كلها، وقبل ثورة يناير كان مقهى ريش جزءا من المناخ السياسي والثقافي السائد المتسم بالركود، وانطفأ بريقه بحثا عن خلاص، حتى جاءت ثورة 25 يناير، ليعج المقهى بالثوار والسياسيين والكتاب مجددا.
اجتماعات وندوات
مقهى ريش تجمع اشهر الكتاب والفنانين في مصر
وتضيف فؤاد: بعد الثورة أذكر أن فنانة تشكيلية شابة اتصلت بي من المقهى تطلب ترشيح أسماء سياسيين وكتاب وخبراء قانونيين يقومون بإلقاء محاضرات لثوار يناير، وأن يحددوا لهم خارطة الطريق مع مستجدات وأحداث الثورة، لأنهم لا يملكون الخبرة اللازمة لذلك، وتم ذلك بالفعل ليتحول مقهى ريش إلى منتدى فكري يضم حلقات من الكتاب والسياسيين والقانونيين، كل منهم له تلاميذه من الثوار الجدد أبطال 25 يناير.
وتكشف أن الدور الثقافي لمقاهي القاهرة بدأ بعد عودة رفاعة رافع الطهطاوي من رحلته إلى باريس ونشر كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، وفيه وصف الطهطاوي المقاهي الفرنسية واحتشادها بالمثقفين من كل صنف ولون. وقال إن بعض المقاهي تبدو بلانهايات لوجود مرايات بها، وانتقل تقليد المرايات إلى مقاهي القاهرة مثل الفيشاوي، أما ريش فقد اتاح له موقعه الفريد في ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية وقرب ميدان التحرير أن تصبح محكى لتاريخ مصر وقبلة المثقفين والكتاب من كل صنف ولون.
المقهى وثورة 1919
وقال الأديب يوسف القعيد إن مقهى ريش كما قرأ في الكتب التي صدرت بعد الثورة، كان أهم تجمع شبابي لثوار التحرير إلى جانب المكتبات الكبرى في ميدان طلعت حرب، مدبولي والشروق، ودار ميريت للنشر.
وكشف القعيد في تصريح لـ"العربية.نت" أن الدور الوطني لمقهى ريش ليس جديدا، فقد كانت توجد في قبو المقهى مطبعة تتولى طباعة المنشورات إبان ثورة 1919، ومنذ ذلك التاريخ تحول مقهى ريش إلى ملتقى المثقفين والثوار والأدباء. ومن أشهر الأسماء التي ارتبطت بمقهى ريش نجيب محفوظ، وزكي نجيب محمود، والعقاد، وفتحي غانم، وحتى الآن يقوم صاحب المقهى بتقديم الإفطار إلى المثقفين كل يوم جمعة كأحد التقاليد المتبعة.
تاريخ حافل
يرتاده المصريون والسياح العرب والاجانب
ويكشف الكاتب والشاعر عصام الغازي، من رواد مقهى ريش، لـ"العربية.نت"، أن المقهى نفسه جزء من منزل الكاتب الراحل فتحي غانم، الأديب المعروف وأحد كتاب روزاليوسف، وقد شهد المقهى ندوات وجلسات لأبرز الكتاب والشعراء مثل نجيب محفوظ ونجيب سرور وأمل دنقل وصلاح جاهين، وقد حضرت بعضها في السبعينات والثمانينات. وأذكر أن المقهى كان به جرسون يدعى مليك، كان يسميه نجيب سرور الوسواس الخناس، وفي هذا المقهى أيضا عرض سرور ابنه شهدي للبيع بعد أزمة مرت به.
وحول الدور السياسي لمقهى ريش في الثورة، ذكر الغاي أن المقهى كان يتجمع به بعض الثوار والمثقفين، لكن غالبية الثوار كانوا يجتمعون في مقهى زهرة البستان باعتباره مقهى شعبيا ورخيصا، عكس ريش الذي تحول إلى مطعم سياحى يرتاده الأغنياء فقط من المثقفين المصريين والعرب والأجانب.
ملتقى المثقفين
وتأسس مقهى ريش عام 1908م بالقاهرة، وهو أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية. يقع قرب ميدان طلعت حرب، وشيد هذا المقهى ألماني، باعه عام 1914 إلى هنري بير، أحد الرعايا الفرنسيين الذي أعطى له اسم "ريش" ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن، وتسمى "كافيه ريش".
وقبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى اشتراه تاجر يوناني مشهور من صاحبه الفرنسي، ووسعه وحسّن بناءه. حاليا يملك المقهى مجدي ميخائيل، وهو أول مالك مصري له.
ووفق عبدالرحمن الرافعي في كتابه "تاريخ مصر القومي 1914- 1921، فإن ريش ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى، كما عرف مقراً يجتمع فيه دعاة الثورة والمتحدثون بشؤونها أو شؤون البلاد العامة.
وكان للمقهى دور كبير في ثورة عام 1919، بل يرى كثيرون أن صاحب المقهى في هذه الآونة كان عضو في أحد أهم التنظيمات السرية، حيث وجدت بعد 80 عاماً من ثورة 1919 آلة لطبع المنشورات.
وفي العام 1972 انطلقت منه ثورة الأدباء، احتجاجاً على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني. كما أنه في ديسمبر عام 1919 شهد محاولة اغتيال رئيس الوزراء وقتها يوسف وهبة.
ونشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية ملفا يحكى تاريخ مقهى "ريش" الشهير وسط القاهرة. وذكرت أن المقهى منذ تأسيسه عام 1908، كان مؤثرا في الأحداث السياسية المهمة.
وقالت إنه كان ملتقى المثقفين والكتاب والقوى الثورية التي قامت بثورة 25 يناير. فبعد كل جولة من المظاهرات أو المواجهات الصعبة مع الأمن، يتجمع الثوار على هذا المقهى لالتقاط الأنفاس.
وأشارت إلى أن المقهى التاريخي كان ومازال ملتقى المفكرين والكتاب الكبار، كما أنه كان ملتقى السياسيين والثوار، خاصة الشيوعببن والماركسين واليساريين، وفي نفس الوقت، فهو أيضا ملتقى للجواسيس والمخبرين.
BY:www.alarabiya.net