فيلم "انسَ بغداد" يفتح ملف يهود العراق "المهجرين" ويستقبل بحفاوة في بروكسل


إيلا حبيبة شوحات وصورة لجواز سفر والديها اليهوديين العراقيين
بروكسل - أ ف ب

أينما حلّ، يحمل الفيلم الوثائقي "انسَ بغداد" قضيته المثيرة للجدل، فهو يرصد حياة كتاب يهود عراقيين يعيشون في إسرائيل وسط "العنصرية" تجاههم، ويتذكرون مسألة "تهجيرهم" من العراق، وقد استقبله الجمهور في بروكسل بحفاوة.

ويرصد الفيلم ذكريات وآراء يطرحها ثلاثة كتاب من العراقيين اليهود المعروفين، من الجيل الأول الذي هاجر الى إسرائيل في بداية الخمسينات، وهم شمعون بلاص وسامي ميخائيل وسمير نقاش، وإلى جانبهم يتحدث في الفيلم موسى خوري، تاجر العقارات السابق، وأيلا حبيبة شوعات، وهي مختصة في السينما الإسرائيلية ومن الجيل الثاني للمهاجرين العراقيين.
وعُرض، أخيراً، في ختام تظاهرة "من بغداد الى بروكسل" التي استضافها مركز "صالات سكاربيك" الفني، بحضور مخرجه السويسري العراقي سمير جمال الدين الذي ناقش الفيلم مع الجمهور بعد عرضه.

ويقول مخرج الفيلم إن من رصدهم في فيلمه "كانوا ممتنين لإعطائهم منصة وإمكانية ليعبروا عن أنفسهم"، وأضاف أنهم اعتبروا هذه الفرصة ضرورية لهم "لأنهم لم يعبروا عن انفسهم ابداً، وحتى لو كانوا مشهورين، مثل سامي ميخائيل، فهم لم يسألوا بالعربية سابقاً".

ويظهر في الفيلم ما يدعم قول مخرجه، فما أن يسأل الكتاب الذين التقاهم، عن اللغة التي يفضلون الحديث بها أمام الكاميرا، حتى يرد عليه احدهم "أكيد بالعربي".

ويتحدث الكتاب الثلاثة، ورجل العقارات ايضاً، باللغة العربية المطعمة باللهجة العراقية، ويروون ما يصفونه بأعمال "تهجير" اليهود العراقيين في اربعينات وبداية خمسينات القرن الماضي.

ويظهر في الفيلم تركيز على ما عُرف بحادثة "الفرهود" عام 1941، وكانت برأيهم اول الاحداث العنيفة والدموية التي هدفت الى "التهجير القسري" لليهود العراقيين، ومنهم من يرجع الحادثة لارتباط حكومة رشيد عالي الكيلاني بالنظام النازي، والدور الذي اضطلعت به إذاعة برلين الناطقة بالعربية في "التحريض" على اليهود العراقيين.

ويشكل الفيلم وثيقة مهمة عن تلك الفترة، خصوصاً أن من يتحدثون عنها متقدمون في السن، ومنهم من فارق الحياة بعد تصوير الفيلم مثل الكاتب سمير نقاش.

ويتذكر اليهود العراقيون حادثة إلقاء القنابل في أماكن تواجدهم ببغداد، ويلفت بعضهم ان "الترهيب" كان "بالتواطؤ بين الحكومة العراقية والمنظمات الصهيونية"، مشيرين الى صدور بيانات آنذاك تدعو اليهود الى الهجرة، وإلى قرار الحكومة العراقية المتزامن عام 1950، والذي اقترح "إسقاط الجنسية" عمن يرغب بذلك من اليهود العراقيين و"تسهيل سفرهم الى اسرائيل".

وتتحدث شخصيات الفيلم عن ظروف الهجرة الصعبة التي تعرضوا لها، والمعاملة "العنصرية" التي كانت تنتظرهم في اسرائيل، ويلفت احدهم الى انهم استقبلوا في مطار بن غوريون برش مبيدات "دي دي تي" (وهي مبيديات حشرية قوية جداً وممنوعة في دول أوروبية)، ويقول "أحسسنا أنفسنا وكأننا حشرات".

ويتحدث الكتاب عن إسرائيل باعتبارها "المنفى" لهم، شارحين كيف لم يتأقلموا مع الثقافة والحياة في الدولة العبرية، ولم يتح لهم التواصل مع الثقافة العراقية العربية.

وإذا كان بعضهم كتب بالعبرية، ولقيت كتبه نجاحاً كبيراً في المجتمع الاسرائيلي، مثل سامي ميخائيل، لكن الحسرة لم تفارق الكاتب سمير نقاش الذي لم يكتب بغير العربية، فكتبه لم تترجم الى العبرية ليقرأها متحدثوها، كما لقيت "الرفض" من دور النشر العربية كون كاتبها مقيماً في دولة "الاعداء"، كما يقول.

رفض عربي وإسرائيلي

والمفارقة أن الفيلم حمل حساسية حياة شخصياته، فهو قوبل بالرفض من المهرجانات العربية التي لم تعرضه، وحصل الشيء نفسه مع المهرجانات الاسرائيلية، قبل ان يحقق الفيلم نجاحاً كبيراً بعد عرضه في مهرجان "روتردام"، ويعود من رفضوه في البداية الى عرضه.

ولقي الفيلم حفاوة من الجمهور الذي صفق له في بروكسل، وسمع مخرجه إشادة بعض الحضور به، وهناك من أبدى رغبة بمشاهدة الفيلم مجدداً واستفسر عن كيفية الحصول عليه.

ومن المرحبين بالفيلم كان هناك عراقيون تحمسوا له بانفعال، وقال ضياء خالد، وهو مخرج عراقي شاب، لفرانس برس إن الفيلم "يعرفنا بقصة جزء مهم من الأمة العراقية"، ويوضح أنه يعرض لذاكرة "شبه مفقودة" لعراقيين "لاتزال أحياؤهم وأرزاقهم موجودة".

ويتحدث هذا المخرج العراقي بانفعال بعد مشاهدته الفيلم، ويقول: "رأينا كيف هجروا اليهود من العراق، وها هم يفعلون الآن الشيء نفسه مع المسيحيين".

ويضيف "اليهود مثل المسيحيين وغيرهم، وهم جزء مهم من الأمة العراقية، وأتمنى أن يعودوا يوماً ما وأن تعاد لهم حقوقهم".

ويوضح مخرج الفيلم أنه كان يخطط لأن يضمنه حديث شخصياته عن علاقتهم بالفلسطينيين، لكنه تخلى عن هذه الفكرة "لأني أحسستها مقحمة على الموضوع"، ويوضح أن المشاهدين يرون في الفيلم أن الكتاب العراقيين اليهود كانوا "معاً مع الفلسطينيين، وساعدوا السياسة الفلسطينية".

وتظهر في الفيلم صور لبعض هؤلاء الكتاب، وجميعهم من الشيوعيين السابقين، مع الكاتبين الفلسطينيين محمود درويش وإيميل حبيبي، حيث عملوا معاً في جريدة الحزب الشيوعي الاسرائيلي.

وشرح مخرج الفيلم أنه استقبل في جولته في الضفة الغربية بترحيب الفلسطينيين، ومنهم من قال له: "شكراً لأنك أريتنا أننا لسنا الوحيدين الذين نعاني من الصهيونية".

ويرفض بعض من التقاهم الفيلم أن تكون اسرائيل بلداً له، ويقول سمير نقاش: "هذه البلاد أجرمت بحقي وطحنتني، هذه ليست بلادي".
December 12, 2010